في رحلة بحرية , جلست على سطح المركب أتأمل في هذا المخلوق الكبير الفسيح , و كيف تتموج أمواجه , الموجة إثر الموجة , تعلو شيئا ً , فلا تلبث أن تهبط , مداعبة المركب الذي أعجبه اللحن فأضحى يتمايل معها , وفق النغمة التي تعزفها , وقد تهادى في جو لا أملك من الكلمات ما أصفه به ,فمعذرة ......

أسندت ظهري , وأغمضت عينيّ نصف إغماضة , علني أتمكن من سبر الأغوار , أو ألمح البحر في وجه جديد , لم آلفه من قبل , اختلطت الألوان مع بعضها فاتصل سطح البحر مع الشاطىء , واتصل مع الأفق في تمازج بين تدرجات اللون الأزرق,و ها هو على الشاطىء من بعيد لا أكاد أتبين سوى اللون الأبيض للزبد وهو يتلاشى على رمال الشاطىء , التي اكسبها البعد وأشعة الشمس المنعكسة عليها , لونا ً أجمل من لون الذهب , وهو الشهير بجماله ,لكأن الشمس أبت إلا أن تساهم في رسم هذه اللوحة و لو بلمسات تكميلية , فلم أملك سوى أن أتمتم قائلا ً : سبحان الخلاق المجيد , أخذت عيناي تتثاقلان رويدا ً رويدا ً , و هدير البحر يهمس في أذنيّ أن :سبحان الله العظيم .

سبحان المبدع الكريم .

سبحان الرحمن الرحيم .

لم ارد أن أكون شاذا ً عن نغمة الكون فرددت وأنا أغالب السلطان الذي يُدعَى بالنوم : سبحان ربي العظيم ,سبحان الخلاق الكريم ...... ولم أدر بعدها ماذا جرى .......

إذ انتظمت الأنفاس في رتابة , و أغمضت العيون , و شردت الروح , وحق لها أن تشرد في هكذا جو بديع .
في رحلة العودة أخذت الشمس تميل نحو الغروب , و لم يبق بينها وبين خط الأفق --الذي أبى إلا أن يودع الشمس بحمرة تضاهي حمرتها-- سوى مسافة تتضاءل قليلا ً قليلا..., فما كان منها إلا أن تضفي عليه , من لونها الأحمر الوردي, و هي تقترب رويدا ً رويدا ً من سطح البحر , في ود ظاهر للعيان .....
لا أدري أوجدتُ أشعتها الحمراء تمتد إلى سطح البحر؟ أم أنها تهيؤات تتراءى بخيالي ؟ , أتراها تتوضأ , و تتهيأ لصلاة المغرب ؟ لم لا ؟!.... لكل نسكه وتسبيحه و لكن نحن القاصرون عن إدراك تسابيحه , التي تفيض تمجيدا ً للمولى , لعظمته , لقدرته , لرحمته , لإبداعه ,لــــ.........

أصبح من قرص الشمس نصفه , وقد صنع شبه بحيرة من الدم , تتراقص فيه مويجات صغيرة , أتراها أعجبها اللون , أم أحست بالفرح و ها هو ثوب جديد , أتراه اليوم الصريع , صرعه الزمن , أم صرعته الذنوب والخطايا التي حملها معه , وقد رآها رأي العين , لعله يتوارى خجلا ً و قد أبصر من خلق الله , ما يعصون به الله , عيانا ً جهارا ....

أخذت بقعة الدم من النهار الصريع , تتضاءل شيئا ً فشيئا ً مع بدء انتهاء عملها في نصف الكرة , و لا أحسبها إلا أخذت تتهيأ لبدء دوام الفترة الثانية , في عمل مستمر

و طبعا ً لم تنس أن تبعث بما يخبرنا عن دخول وقت العشاء , ألا وهو الشفق , خلف الشمس ..

غربت الشمس ...... و لكنها ستعود لتشرق من جديد في صبيحة اليوم التالي , إلى أن يشاء الله , ولكن ما نحن فاعلون حين تغرب شمسنا ؟؟؟؟

انتقلت إلى الجهة الثاني لأتأمل الشاطئ , يا الله !................... سبحانك يا رب ..

أرى مزيجا ً من الألوان تقيم كرنفالا ً على صفحة البحر , و ها هي الأسماك تتقافز من أمام المركب , أتراها تفر من صوته الهدار , أم تسابقه في اصرار , أم أنها تحثنا على الإسراع من أجل اللحاق بصلاة المغرب , قبل أن يدركنا العشاء ........

نظرت إلى الساعة , باقي ساعة على أذان العشاء , نستطيع اللحاق .....



أعدت تجوال بصري إلى تلك الألوان على الشاطئ , وأكثر ما أعجبني , هو ذلك اللون الأخضر الذي ينبعث فيضيء القلوب و العقول , اللون الذي يبعث الطمأنينة في النفوس , ألا و هو النور المنبعث من المساجد , ومآذنها التي تطاول عنان السماء .....

سبحان ربي العظيم ...سبحان ربي العظيم.....سبحان ربي العظيم

و صلنا إلى البر , و قد كنت اتمنى ان يقف الزمن , لكن ما إلى ذلك من سبيل ,

ذهبنا إلى المسجد حيث صلينا المغرب , أحسست بنوع غريب من الراحة و الطمأنينة في الصلاة , لم أعهدها من قبل , يا ترى كيف السبيل إلى استمرارية هذا الشعور في كل صلاة ؟ !

ما هو ذلك الأمر الزائد عن العادة الذي أديته هذا اليوم ؟!

أتراها الراحة بعد سباحة مرهقة ؟!

لا اعتقد ..... لأن التعب يولد النوم ....


أتراه التأمل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!

و اغرورقت العيون ................

أدركت حينها أنه لا يتأتى الخشوع إلا إذا واصلنا العبادة بالعبادة في كافة صورها ..

أدركت حينها , أنه ليتأتى لنا الخشوع لا بد من الإنطلاق لعالم الأرواح....

أدركت حينها قول السلف , لو يعرف الملوك ما في الصلاة من لذة لحاربونا عليها ..

متى نصبح منهم ؟؟ أو حتى مثل مثلهم ؟!

لا يزال السؤال ينتظر الإجابة ....

والله ولي التوفيق.



av,] lu hgfpv