وَقفَة مَعَ الجمَاعات ، الإسلاَمِية المُعاصِرة
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني



المتأمل في واقع الأمة يجد بعين البصر والبصيرة أن المجتمعات الإسلامية تفرقت إلى جماعات متباينة تخالف "جماعة المسلمين" التي عاشها الرعيل الأول، وكلُّ جماعة تدَّعي الاستقامة والسماحة والديانة.

و لا غرابة لو قلنا: إن الجماعات الإسلامية المعاصرة قامت لنصرة الدين والدفاع عنه، والذب عن بيضته إلا أنها لا تخلو من عيبٍ، وليس العيب في الأفراد فحسب ، بل في المناهج والأصول أيضاً؛ إذ لا تخلو من خطأ معلوم أو بدعة مضلة ، ولست بصدد ذكر تلك المؤاخذات فقد صارت معلومة لدى الكثير من الدعاة والمصلحين، وليس هذا الموضع موضع سردها و الجواب عنها ، ومنها على سبيل المثال البيعة والإمارة في البلد الإسلامي الذي يقيم ولي أمره مجمل الشعائر الإسلامية ، أو التعاون مع الأحزاب والتنظيمات المناوئة للدين للوصول إلى كراسي العرش ولو بطرق غير شرعية ، أو المصاحبة للضال أو المبتدع والسكوت عنه وترك نصيحته؛ لكونه لا ينقد هذا المنهج العصري الذي تسير عليه الجماعة، أو لكونه فرداً من أفرادها ، وليست تلك الجماعات على وتيرة واحدة ، بل متفاوتة من حيث المخالفات الشرعية ، ينكر بعضهم على بعض في الجملة ما لا يسع المقام بسطه.

وبالمقابل من أنكر مثل هذه الهفوات فهو عند البعض العدو الأكبر والأخطر على الجماعة وإن كان أعلم الأمة.

ولسنا بصدد النقد بمثل ما نحن حريصون على هدايتهم ودعوتهم إلى الطريقة المحمدية التي تقوم على أساس العلم والحكمة والقول الحسن، فهم إخواننا لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، نحبهم ونبغضهم بحسب ما فيهم من الخير والشر فإن :"مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ".

إننا معاشر المسلمين في حاجة ماسةٍ للوقوف مع أنفسنا وقفةً جادة لنتأمل واقعنا الأليم و ما ألم به من أخطار؛ لنضع لهذا الداء العضال دواءً مناسباً ، ونحن جميعاً نتفق مع الجماعات الإسلامية أن علاج الأمة المحمدية لن يكون إلا محمدياً ، وأن الوسائل العصرية التي لا تنافي الشريعة سبلٌ لنصرة الإسلام والمسلمين.

ولكن كيف يمكن أن تكون الجماعات الإسلامية محمدية [ أمةً واحدةً متكاتفةً تقيم الولاء والبراء والأخوة على مراد الله ورسوله بفهم سلف الأمة ].

والجواب :

أن يكون الولاء لله ورسوله والمؤمنين ، والبراء من المجرمين ومخالفة الدين، والانقياد بشرع الله المستقيم ونبذ التفرق ، وتوحيد المتفرقين بجمع الكلمة تحت لواء واحدٍ شعاره قول رب العالمين :" وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ، وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".

والسعي الجاد بالحكمة والموعظة الحسنة لنصح الجماعات والأفراد بترك التحزب والولاءات الضيقة والعمل بالكتاب والسنة بفهم سلف هذه الأمة ، فإن وجود الجماعات الإسلامية دليل على أن المسلمين متفرقون شذر مذر، وهذا لا يشرّف المسلمين ولا يرفع لهم رأساً أمام الشعوب والأمم.

لقد غلط بعض الفضلاء الذين قالوا : إن الجماعات الإسلامية يمكن أن تتحد وتكوِّن قوة عارمة ضد أعداء الإسلام إذا عمل كلٌّ في مجاله وسكت بعضهم عن نقد بعض.

وهذا في نظري القاصر داءٌ جديد لا دواء مفيد ، لأن النقد العلمي البنَّاء القائم على الإنصاف والعلم والحكمة أعظم علاج لإصلاح مجتمعاتنا وما ألم بها من أمراض ، ولنا في رسولنا الكريم وصحابته الغر الميامين أسوة حسنة ، فلنعد النظر ولنتصفح تاريخنا التليد؛ لنأخذ بمنهجهم حذو القذة بالقذة ذلك أزكى وأطهر.

إن السبيل الأقوم لهذه الجماعات كلها هي العودة الصحيحة إلى الكتاب والسنة التي تقوم على أساس الدليل واحترام العلماء والعودة إليهم في عوارض العصر لينظروا موقف الدين قبل البدء والخوض في العوارض والمدلهمات ،لا بالعودة للقيادات والمجالس الحزبية والولاءات الضيقة فإن هذا من محاربة الدين ومساندة المناوئين وإن لم يكن مقصوداً.


فلنسعَ لصلاح أنفسنا ومجتمعاتنا بالعلم والحكمة واللين والأخلاق الحسنة، مع الحذر من زرع الأحقاد وتسليط الأتباع للنيل من أهل العلم حفظة شريعة الله في أرضه، وفتح صدورنا لقبول النصيحة وإقامتها في مجتمعاتنا، وفتح باب الحوار العلمي المبني على الدليل من الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، فإن صلاح هذه الأمة لن يكون إلا بما صلح به أولها ، والله يتولى الصالحين.



,QrtQm lQuQ hg[lQhuhj K hgYsghQlAdm hglEuhwAvm