-
ذكريات من الزمن الجميل
http://up.aldwle.com/uploads/13844102324.gif ذكريات من الزمن الجميل
جلست مع نفسى وعدت بذاكرتى الى ماقبل اربعين عاما مضت وهى ايام طفولتى حيث نشات فى احدى قرى مصر الطيبة التى تروى بماء النيل وقد صدق القائل ان مصر هبة النيل تذكرت هذه الايام ونظرت الى ما نحن فيه هذه الايام فصرخت فى داخلى بصوت مرتفع اجرنا ياالله ارحمنا يا الله
كانت قريتنا فى ذلك الوقت مثل غيرها من قرى مصر فان جميع دورها مبنية من الطوب اللبن المصنوع من الطين المستخرج من الارض وكانت مسقوفة باعواد الخشب كل شئ تنظر اليه يدعو الى البساطة والتقشف
جميع اهل القرية يعملون بالزراعة اى زراعة اراضيهم وفلاحتها وكانت الزراعة هى كل حياة الناس كان اليوم يبدا قبل الفجر حيث يستيقظ كل من فى الدار من الرجال والنساء استعدادا لصلاة الفجر حيث يذهب الرجال الى الصلاة فى المسجد وتصلى النساء فى الدور ولم يكن بالقرية فى ذلك الوقت كهرباء ولامكبرات الصوت بل كان المؤذن يصعد الى المئذنة ليؤذن الى الصلاة وذلك كل فرض وبعد صلاة الفجر يستعد الرجال للذهاب الى الحقول وذلك باخذ مواشيهم ودوابهم والذهاب مبكرا الى حقولهم وعندما يذهبون الى حقولهم يقومون باطعام ماشيتهم ثم يقومون بفلاحة الارض وحرثها وزراعتها وريها متوكلين على الله ومن اللافت للنظر فى هذه الفترة ان غالبية الرجال كانوا من حفظة القران الكريم حيث كان القران انيسهم وجليسهم فى اوقات الفراغ وكانوا يحفظون القران حفظا جيدا باحكامه رغم انهم لم يذهبوا الى المدارس ولكن حفظوه فى الكتاتيب التى كانت منتشرة فى جميع قرى مصر فى ذلك الوقت اتذكر والدى وعمى رحمهما الله حيث كانا دابهما تلاوة القران اثناء عملهم فى الارض واثناء وقت الفراغ كان المصحف ملازما لهم اما تلاوة او مراجعة كان فى الحقول توجد مصلى عند كل مصدر للماء سواء ترعة او بئر للوضوء فكانوا يصلون الظهر والعصر فى الحقول وقبل المغرب بساعة كانوا يستعدون للمغادرة الى دورهم
باخذ المواشى والعودة الى القرية وبالعودة تاخذ النساء المواشى الى حظائرها فى حين يقوم الرجال بتغيير ملابسهم والذهاب الى المسجد لصلاة المغرب وفى هذه الفتر ة يكون النساء قد اعددن العشاء لازواجهن وكانت ادارة البيوت فى ذلك الوقت تتحكم فيها الجدة اى ام الرجال فكانت هى التى تدير كل شئ فالى حين عودة الازواج من صلاة المغرب كان يتم تجهيز العشاء وكان الرجال فقط هم الذين يجلسون لتناول العشاء وذلك تقديرا واحتراما لهم على مايبذلونه من جهد شاق فى زراعة الارض حيث لم يكن هناك اى ميكنة او الة تساعدهم فى عملهم كما فى مثل هذه الايام بل كان كل شئ يتم بالمجهود البدنى ثم تجلس النساء والاطفال بعد ذلك لتناول عشائهن وكان للمراة دورا محوريا وهاما فى ذلك الوقت فهى التى تقوم بحلب المواشى من الجاموس والابقار فى الصباح الباكر بعد الفجر قبل الذهاب الى الحقول وكذلك بعد عودتهم من الحقول فى المساء وهىالتى تقوم بوضع اللبن فى القربة واستخراج القشطة منه وعمل الجبن وهى التى تقوم بتربية الطيور فى الدار بمختلف انواعها والتى تساهم مساهمة فعالة فى سداد الاحتياجات من اللحوم والبيض كان اليوم كله عمل ومشقة سواء للرجل او للمراة ولكن كان الجميع ياتون فى نهاية اليوم ويقولون الحمد لله رب العالمين كان السلام الاجتماعى والمودة والاحترام هو الذى يحكم العلاقات بين الناس واذكر انه اذا مرضت لاحد الفلاحين بقرة او جاموسة وقام بذبحها يقوم اهل القرية بتوزيعها على انفسهم وتجميع ثمنها وشراء اخرى له فى نفس الاسبوع لان الماشية كانت راس مال الفلاح لايستطيع حرث الارض او ريها بدونها كان هناك تكافل لاقصى حد من يحتاج بقرة جاره او جاموسته لمساعدته يعطيها له او يذهب هو الاخر للمساعدة لم يكن فى القرية فى ذلك الوقت اى مظهر من مظاهر الترف او الرفاهية لم يكن هناك كهرباء ولاتليفزيون بل كان فقط الراديو وعند قلة من الناس كان عيد الفطر وعيد الاضحى هما احد مظاهر الترف والفرح حيث لبس الملابس الجديدة وركوب المراجيح الخشبية للاطفال كان الاحترام والادب والحياء هو سيد الموقف فى العلاقات بين الناس لم تكن المراة تخرج من دارها ابدا الانادرا لم تكن النساء او البنات يطلع عليهن غريب اذا اراد رجل ان يصعد الى سطح داره لاى سبب من الاسباب يرسل الى الجيران حتى تستتر النساء
كان للاب احتراما منقطع النظير من جميع اولاده ويحكى ان رجلا كان له اربعة اولاد رجال وكانوا كلهم متزوجين وكان هو الذى يشترى لهم كسوة الشتاء وكسوة الصيف وكل عام يعطى كل واحد منهم لفافته وفى ذات مرة قال له احد ابنائه ياابى ان هذا القماش خشن فلو اشتريت لى قماشا افضل منه فاخذ منه لفافته ووضعها بجانبه حتى العام القادم واعطاها هى نفسها لهذا الابن المعترض تربية خرجت رجال على قدر عال من المسئولية لم يكن هناك مال مثل هذه الايام ولكن كان هناك رضا وشكر وقناعة وتقوى
لم تكن هناك امراض تصيب الناس مثل الامراض التى تنتشر بيننا الان لم تكن هناك افات زراعية تصيب الزرع مثل الافات المنتشرة الان لم يكن هناك مبيدات ولاكيماويات بل كان هناك تقوى الله وطاعته (( ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض )) تذكرت هذه الايام وقارنتها بما نحن فيه من رفاهية واسراف ومن فتن ومن فساد ومن اختلاط ومن عرى ومن ذهاب للحياء ومن عدم احترام ومن ضياع للاخلاق والمبادئ فقلت اجرنا يالله ارحمنا يالله رحم الله اجدادنا و ابائنا وا عمامنا اصحاب الزمن الجميل http://up.aldwle.com/uploads/13844102327.jpg مما راق لى