الفرمونات الجنسية و مكافحة الآفات الزراعية

الفرمونات الجنسية و مكافحة الآفات الزراعية

يستعمل عدد كبير من الكائنات الحية ، المواد الكيميائية ، كوسيلة للاتصال والتفاهم بعضها مع بعض ، ومع الكائنات الحية الأخرى ، وتقسم هذه المواد إلى نوعين :
( الكرمونات ) وهذه تستعمل للاتصال بين أفراد تنتمي إلى أنواع مختلفة من الأحياء و ( الفرمونات )وهي مواد كيميائية تفرزها الحشرات ، وتستعملها أفراد النوع نفسه ، وتثير فيها ردود فعل معينة ، تتناسب والمادة المستقبلة ، وبالتالي فهي وسيلة انتقال المعلومات بين أفراد النوع الواحد .

ترجع الإشارة الأولى إلى وجود الفرمونات عند الحشرات إلى عام 1919 ، إذ أشار العالم الفرنسي Fabre في كتابه (( طباع الحشرات )) إلى أن أنثى فراشة الليل ، Saturnia Dyri الموضوعة تحت ناقوس زجاجي ، لا تستطيع جذب الذكور ، في حين أنهم يتدافعون إليها إذا وضعت في قفص شبكي ، مما دعاه للاستنتاج بأن الأنثى تطلق مادة كيمائية تنتشر بالهواء فتلتقطها الذكور بمستقبلات خاصة موجودة على قرون استشعارها بدليل أن إزالة هذه القرون يؤدي إلى عجز الذكور عن الوصول إلى الإناث .

تفرز الفرمونات من خلايا متخصصة موجودة في مناطق مختلفة في جدار الجسم على شكل نقاط أو دفعات غازية ، تنتشر في الجو وتستطيع أفراد الجنس الآخر من النوع نفسه اكتشافها في الهواء ولو بكميات قليلة جداً بوساطة مراكز استقبال خاصة ، أشبه بالرادار ، تتوضع على قرون الاستشعار في الفراشات .

تقسم الفرمونات ، تبعاً للوظيفية التي تقوم بها ، إلى أنواع عدة ولكن أهمها وأكثرها استعمالاً في مكافحة الآفات الزراعية هي الفرمونات الجنسية وهي مواد كيميائية تستعملها أفراد النوع الواحد بغرض التزاوج وتفرز الفرمونات الجنسية من قبل أحد الجنسين فقط ( غالباً الإناث ) وتستقبلها أفراد الجنس الآخر ، ويمكن للذكور أن تستشعر الفرمونات من مسافة تصل إلى آلاف الأمتار ...

دور الفرمونات الجنسية في مكافحة الحشرات :

لقيت دراسة الفرمونات اهتماماً بالغاً ، خلال العقود القليلة الماضية ، وتعتبر الفرمونات الجنسية من أكثر أنواع الفرمونات دراسة ومعرفة في الوقت الحاضر ، من حيث تركيبها الكيميائي ، وآلية عملها ، وإمكان استعمالها في مكافحة الآفات الحشرية .

تمتاز هذه الفرمونات بأنها متخصصة بالنوع نفسه ، وفعالة بيولوجياً بتراكيز منخفضة جداً ، كما أنها عديمة السمية للإنسان والحيوان والنبات ، مما يعطيها ميزات خاصة تجعل منها وسيلة هامة في مكافحة الحشرات الزراعية ذات الأهمية الاقتصادية ، عن طريق استعمالها لجذب الحشرات إلى مصائد خاصة تسمى ( المصائد الفرمونية ) .

للمصائد الفرمونية أشكالاً متعددة ، تبعاً للغرض المطلوب منها ، ونوع الحشرة المستعملة في مكافحتها ، ولكنها تتكون عموماً من جسم المصيدة ، وهو غالباً قطعة من الورق المقوى مطوية على شكل موشور مفتوح من طرفيه ، ومطلية بالشمع لحمايتها من العوامل الخارجية ، تغطي قاعدة الموشور قطعة كرتونية مطلية بمادة لاصقة يمكن تبديلها بسهولة عند الضرورة ، وتوضع المادة الفعالة ( الفرمون ) ، عادة ، في عبوات من المطاط أو البولي إيثلين ، وتعلق هذه العبوات في أعلى المصيدة . تتحرر المادة الفعالة من العبوات ببطء خلال مدة زمنية معينة . وتجذب الحشرات إلى داخل المصيدة وتعلق بالسطح اللاصق .

وتؤدي الفرمونات الجنسية ، وخاصة عند استعمالها في المصائد الفرمونية في مكافحة الآفات الحشرية عن طريق تحديد موعد ظهور هذه الآفات وانتشارها على مدار العام وعدد أجيالها والكثافة النسبية لكل جيل والخطر الذي يكونه على المحصول ...

تعد المصائد الفرمونية أيضاً وسائل لا غنى عنها في الزراعة الحديثة لتقدير الحاجة إلى إجراء عمليات المكافحة وتوقيتها بدقة . كما تستعمل الفرمونات كأحد وسائل المكافحة المباشرة للآفات الزراعية عن طريق جذب الحشرات إلى شريط لاصق أو طعم سام وقتلها أو التشويش على الذكور ومنعها من التعرف على مكان وجود الإناث مما يعوق إلقاحها .

استعمال المصائد الفرمونية للمراقبة والإنذار الزراعي :

استعملت إناث الحشرات غير الملقحة ، في الأربعينات من القرن الماضي ، بوضعها في أقفاص معدنية شبكية لجذب الذكور ، بسبب عدم معرفة المادة الكيميائية التي تطلقها في ذلك الوقت ، ولكن تحديد الهوية الكيميائية للفرمونات الجنسية مكن من استعمالها على نطاق واسع ، في برامج وذلك عن طريق تصنيعها كيميائياً وتعبئتها في عبوات خاصة تستعمل لجذب الحشرات إلى المصائد الفرمونية .

تمكننا المصائد الفرمونية من الكشف عن وجود آفة ما ، وتقدير أعدادها النسبية بدقة وكفاءة عاليتين ، كما لا تتطلب أشخاصاً مدربين للتعرف على الأنواع المختلفة من الحشرات العالقة بها ، ذلك أنها متخصصة بنوع واحد فقط ، ونادراً ما ينجذب إليها أفراد أنواع أخرى (خلافاً للمصائد الضوئية) تستعمل هذه المصائد في الإنذار الزراعي لمعرفة مستوى الضرر الذي يمكن أن تسببه مجاميع حشرة ما ، ومن ثم الحاجة إلى مكافحتها .

ساعد استعمال المصائد الفرمونية على خفض عدد مرات المكافحة الكيميائية ، عن طريق جمع معلومات دقيقة عن مجتمع الحشرة في الطبيعة ، ومن ثم مدى الخطر الذي تكونه ، وتحديد موعد ظهورها مبكراً ولو وجدت بأعداد منخفضة جداً بسبب حساسيتها الشديدة .

تستعمل المصائد الفرمونية بكثرة في الوقت الحاضر في مراقبة مجتمعات الآفات الحشرية ذات الأهمية الاقتصادية للمحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة ، بغرض تحديد مدى الحاجة إلى إجراء عمليات المكافحة وتوقيتها بدقة . ويزيد عدد الآفات الحشرية التي يتوفر لها مصائد فرمونية – في الوقت – على 250 نوع . تستعمل المصائد الفرمونية على نطاق واسع أيضاً في مراقبة مجتمعات حشرات الغابات حيث يصعب استعمال أية وسيلة أخرى لمراقبتها نظراً للمساحات الشاسعة التي تغطيها وصعوبة الحركة فيها ، كما تستعمل هذه المصائد ، على نطاق واسع ، للكشف عن وجود الحشرات في المخازن بغرض المكافحة أو كأحد إجراءات الحجر الزراعي للمواد الزراعية عند نقلها .

استعمال المصائد الفرمونية للمكافحة بطريقة الصيد الجماعي :

نجحت المصائد الفرمونية في مكافحة كثير من أنواع الآفات الحشرية ، خاصة تلك التابعة لرتبة غمديات الأجنحة ، وذلك عن طريق جذب هذه الحشرات باستعمال فرمونات التجميع وصيدها بأعداد كبيرة . والمثال التقليدي على نجاح هذه الطريقة ، هو الحملة التي قامت بها البلدان الاسكندنافية خلال الأعوام 1979 – 1983 لمكافحة خنفساء قلف الصنوبريات (aps typogra phus (L. في كوستاريكا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي . وتوجد أيضاً أنواع تجارية متعددة للمصائد الفرمونية المستعملة في مكافحة الصراصير والذباب المنزلي وذباب الفاكهة . نجحت هذه التقانة ايضاً في مكافحة بعض أنواع الحشرات التابعة لرتبة حرشفيات الأجنحة ، خاصة عندما يكون مجتمعها منخفضاً ، مثل فراشة العذر Lymentria dispar وحفار ساق التفاح Zeuzera pyrina وحفار ساق الخوخ Cossus cossus .

استعمال الفرمونات في مكافحة الحشرات بطريقة التشويش :

تعتبر هذه الطريقة من أكثر الطرائق ملائمة لمكافحة الآفات الحشرية التابعة لرتبة حرشفيات الأجنحة ، وتعتمد على مبدأ التشويش على الاتصالات الكيميائية بين الذكور والإناث ، وذلك بنشر فرمونات صناعية ، وبكثافة مناسبة في الوسط المحيط مما يشبع هذا الوسط بالاشارات الكيميائية ويستحيل عندها على الذكور معرفة مكان ااإناث ، ون ثم تلقيحها . عرفت هذه الطريقة منذ بداية السبعينات ، ولكن استعمالها في مكافحة الآفات الحشرية ، لم يبدأ عملياً إلا في السنوات العشر الماضية . استعملت هذه الطريقة على نطاق واسع جداً ، لمكافحة دودة لوز القطن القرنفلية gossypiella p . في كل من الولايات المتحدة الامريكية ومصر ، لانتشارها الواسع على القطن وصعوبة مكافحتها بالمبيدات الكيميائية ، لأن اليرقات ( وهي الطور الضار ) تقضي حياتها داخل جوزات القطن ، مما يجعلها في مأمن من تأثير المبيدات الكيميائية ، كما استعملت طريقة التشويش على نطاق أضيق في مكافحة الحشرة نفسها في كل من الهند والباكستان والبيرو واليونان . ونجح استعمال طريقة التشويش بالفرمونات ، أيضاً ، في مكافحة كثير من آفات البساتين ، مثل فراشة ثمار التفاح Cydia pomonella L. .

مكافحة الحشرات باستعمال الفرمونات مع الطعوم السامة :

تستعمل الفرمونات لجذب حشرات النوع المراد مكافحته ، بهذه الطريقة ، إلى طعم سام بدلاً من سطح لاصق ، وتمتاز هذه الطريقة على طريقة الصيد الجماعي بإمكان استعمال أنواع متعددة من المواد الجاذبة كما تمتاز على طريقة التشويش بالفرمونات باستعمال كمية قليلة من الفرمون .

يوجد في الوقت الحاضر مستحضرات تجارية عدة من هذا النوع ، لمكافحة فراشة اللوز القرنفلية وفراشة ثمار التفاح وفراشة ثمار العنب ، كما يوجد مستحضرات أخرى لمكافحة أنواع متعددة من ذباب الفاكهة .

وزارة الزراعة